Monday, February 18, 2019

حسن أمبارك: يتم توظيف الدين لتبرير وتكريس العبودية

وعلاوة على الصراع السياسي المرتبط بالعبودية، يتم توظيف الدين في سياق هذا الملف كما يشير حسن أمبارك، وهو ناشط حقوقي ينتمي ايضا لفئة "الحراطين". ويقول "إن هناك كتبا فقهية تستخدم لتبرير وتكريس العبودية، وتبيح أعراض المسلمين والمسلمات ممن كانوا عبيدا. وعلى الرغم من ارتفاع أصوات من ينددون بهذه الكتب ويطالبون بحظر تدريسها، إلا أن القانون الذي صدر لمكافحة الكراهية ينص على أن من يدعو لمخالفة المذهب المالكي يتعرض للعقاب". والمقصود بالمذهب المالكي، كما يقول أمبارك، هو كتب بعينها ينتمي من وضعها لهذا المذهب، وتستخدم لتبرير الوضع القائم والمحافظة عليه، خاصة وإن كل من يمارسون العبودية أو من يعانون من ويلاتها في موريتانيا هم من المسلمين.
ومن ثم، يمكن القول أنه بسبب الحاجة لعمالة رخيصة، خاصة في المناطق الريفية، وهي عمالة تعتمد أساسا على من كانوا عبيدا أو من كان آباؤهم عبيدا، وبسبب استمرار هذا الوضع منذ عقود طويلة تعود لعهد الإستعمار الفرنسي، الذي لم يغير علاقات العمل حرصا على مصالحه الاقتصادية، وبسب وجود ثقافة مستقرة في المجتمع لعقود طويلة تقوم على وجود سادة وعبيد، علاوة على توظيف الدين لتبرير وتكريس العبودية اعتمادا على فتاوى قد يجدها كثيرون غريبة وغير مقبولة، كانت النتيجة أن بقيت أغلبية من ينتمون لفئة "الحراطين" تعيش حياة بائسة قاسية، وتعاني من الفقر والتهميش، وتمارس أعمالا شاقة مقابل أجور زهيدة، وتواجه التعالي والاستكبار من جانب بعض من ينتمون لمجموعات عرقية أخرى. ويبدو هذا واضحا في قطاعات معينة مثل التعليم، إذ أن أغلب تلاميذ المدارس الحكومية التي تقدم تعليما ضعيفا هم من أبناء "الحراطين"، بينما لا وجود لهم تقريبا في المدارس الخاصة باهظة التكلفة. كما يغيبون ايضا عن الوظائف الهامة في الجيش والشرطة والقضاء، ولا يملكون إلا النذر اليسير من الأصول الإنتاجية، مثل الأراضي والعقارات.
يؤكد الصحفي الموريتاني سالك زيد، اعتمادا على تحقيق استقصائي قام به، أن واقع حياة العبيد المحررين لم يتغير، حتى لو تحرروا من العبودية بمعناها القديم التقليدي، حيث كان يتم بيع العبيد وشراؤهم في أسواق النخاسة. الواقع أن من كان آباؤهم عبيدا، أو من كانوا عبيدا وتحرروا من الرق، لا زالوا يعيشون في أغلال الفقر والجهل، ولازالوا يئنون تحت وطأة ضغوط المجتمع لأنه ببساطة لم تتغير تركيبة المجتمع، ولم تتغير علاقات العمل والانتاج داخل المجتمع، ولم تتغير الثقافة السائدة به. وباختصار يمكن القول إنهم تحرروا من الاسترقاق، إذ كان يتم توريث العبيد من الآباء للأبناء مثل أي عقار أو سلعة، لكنهم لم يتحرروا من حياة الفقر والعوز. ولعل هذا يفسر بعض ما يروى عن رفض مجموعات ممن تعرضوا للعبودية مغادرة بيوت السادة. إذ أين يذهب شاب أو فتاة بلا منزل أو مال أو تعليم إذا قرر أن يغادر المنزل الذي ولد وعاش به؟ ومن يمكن أن يساعده على الخروج من الحلقة المفرغة للفقر والجهل؟
وبقي جانب هام من ملف العبودية، وهو التنافس السياسي على كسب فئة "الحراطين" في الوقت الراهن كما يوضح أحمد ولد الوديعة. إذ يؤكد القوميون العرب على أن "الحراطين" جزء من المجتمع العربي بسبب نطقهم باللغة العربية وعاداتهم التي اكتسبوها من الحياة مع القبائل العربية لعقود طويلة. وعلى النقيض يؤكد القوميون الأفارقة على انتماء الحراطين للعرق الأفريقي، ويرون أنهم، مع باقي الأفارقة في موريتانيا، يشكلون الأغلبية التي يجب أن تنهي حكم الأقلية البيضاء في موريتانيا، ولعل هذا يفسر التوظيف السياسي المستمر لمشكلات "الحراطين" في المجتمع الموريتاني، سواء من الداخل أو من الخارج.
ولعل هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه المسؤولين في موريتانيا، وهو ألا يتم الاكتفاء بالقوانين التي تجرم العبودية وتجعلها جريمة ضد الانسانية، وألا يتم الاكتفاء بتحرير العبيد من ممارسات العبودية بمعناها القديم، بل يجب أن يكون الهدف هو تحرير من كانوا عبيدا من حياة الفقر والجهل والتهميش بحيث تكون حياتهم فعلا ملك أيديهم، لا بأيدي الآخرين.